مياه علي الرئة

قد تبدو جملة ( مياه على الرئة ) مخيفة الى حد كبير , ولكن بفضل الله اصبحت هذه المشكلة الصحية والتى تسمى علميا ( الإرتشاح الرئوي) اقل انتشارا وحدة مما مضى , ولكن رهبة هذا الإسم مازالت عالقة بالأذهان , ولكى تزول هذه الرهبة علينا أن نفهم المشكلة , ولكى نفهمها علينا أن نعرف أولا كيف يتم التنفس الطبيعى فى الإنسان . عشرون معجزة فى الدقيقة : التنفس يبدأ فى اللحظة الأولى لحياة الإنسان عند الولادة وينتهى مع نهاية عمر الإنسان, وطوال هذه السنوات لا يشعر الإنسان أنه يبذل أى مجهود عضلى أو ذهنى فى التنفس, وذلك حتى يتفرغ لشؤون حياته الأخرى , ولا ينشغل الإنسان بالتنفس إلا إذا حدث ما يعيق هذه العملية الحيوية والتى تتلخص فى سحب الهواء الى داخل الرئتين ثم امتصاص الأكسجين من الهواء إلى الدم وطرد ثانى أكسيد الكربون من الدم إلى الهواء ثم إعادة إخراج الهواء ثانية, تستغرق هذه العملية فى المتوسط ثلاث ثواني فقط , ثانية لدخول الهواء وثانية لتبادل الغازات والأخيرة لخروجه , أى عشرين مرة فى الدقيقة, يتلامس فيها الهواء مع الدم فى مساحة السطح الداخلي لمليارات الحويصلات الهوائية والتى إذا جمعنا مساحتها ستصل إلى 80 متر مربع فى الشخص البالغ, أى حوالى مساحة شقة من شقق الإسكان المتوسط, وفى خلال الثانية الوسطى يتوزع نصف لتر الهواء الذى تم دخوله على كل هذه المساحة لكى يتم أكسدة الدم وسحب ثانى اكسيد الكربون , معجزة فى كل نفس طوال العمر منحها الله لنا بدون مقابل وبدون مجهود. ولكى يتم سحب الهواء الى داخل الرئتين تنقبض عضلة الحجاب الحاجز والعضلات التى بين الضلوع لكي يتسع القفص الصدري ويحدث تفريغ حول الرئتين, وبالتالى يزداد حجم الرئتين تلقائيا ويزداد فراغها الداخلى فيتم شفط الهواء الخارجى للداخل (عملية الشهيق ) , وللفراغ الذى يفصل بين الرئتين وبين جدار الصدر من الداخل دور كبير فى ذلك, حيث يجب أن يبقى هذا الفراغ فى حالة ضغط سلبى ( تفريغ هواء) طوال الوقت وهى معجزة أخرى. إرتشاح أو إنسكاب : وفى حالة الإرتشاح البللورى أو ( الإنسكاب البللوري كما يسمى أحيانا ) يتواجد سائل داخل هذا الفراغ مما يعيق آلية الشهيق , وفى حالة حدوث ذلك حول إحدى الرئتين يشعر الإنسان بصعوبة فى التنفس وربما بعض الألم فى هذه الجهة, أما إذا حدث ذلك فى الرئتين معا فهى حالة خطيرة تستدعى دخول المستشفى خاصة إذا كانت كمية السوائل كبيرة. وقد يختلط على البعض ويظن أن وجود (مياه على الرئة ) بالتعبير الدارج يعنى وجود سوائل داخل الحويصلات الهوائية وهذا غير صحيح, فوجود سوائل أو إفرازات داخل الرئتين قد يحدث فى أمراض أخري كالإلتهاب الشعبى و حيث أن الطريق أمام هذه السوائل يكون مفتوحا للخروج عبر الشعب الهوائية الى خارج الجهاز التنفسي بواسطة السعال, فهى لا تشكل خطورة بعكس الإرتشاح الرئوى والذى تكون فيه السوائل محبوسة داخل التجويف البللورى وتحتاج فى بعض الأحيان إلى تدخل طبى لإخراجها. أما عن الأسباب التى تؤدى إلى تجمع سوائل أو إفرازات داخل الفراغ البللورى فهى متعددة, وقد كان أحد أهم الأسباب فى الماضى وجود حساسية معينة فى الرئتين تجاه ميكروب الدرن (السل), وكان من مظاهر هذه الحساسية إفراز سوائل شبه مائية, مثلما يحدث فى حالات رشح الأنف فى حالة حساسية الأنف, ومع تراجع الإصابة بميكروب الدرن بفضل الله و نتيجة انتشار المضادات الحيوية انخفضت أعداد حالات الإرتشاح الرئوى المصاحبة له, والآن يعتبر ضعف عضلة القلب هو السبب الأول فى العالم, حيث يعجز القلب عن سحب كل الدم من الرئتين لإعادة ضخه فى شرايين الجسم, مما يسبب تراكم الدم داخل الرئتين ( إحتقان الرئتين) فينتج عن ذلك إرتشاح لسوائل شبه مائية من خلال الغشاء البللوري إلى داخل الفراغ البللورى, وضعف عضلة القلب أيضا أصبح من الأمراض التى يمكن السيطرة عليها الى حد كبير بوسائل الرعاية الصحية المتقدمة, وبصفة عامة فإن الإكتشاف المبكر لأى مرض والفحص الدورى للأصحاء والإكتشافات العلمية المتواصلة لوسائل العلاج والتشخيص سوف تؤدى مع الوقت إلى تراجع إنتشار الأمراض التى تؤدى مضاعفاتها إلى الإنسكاب البللورى وغيره من الأمراض. وفى النهاية أتمنى أن يكون فهم المشكلة قد ساهم فى إزالة الرهبة والغموض الذى كان يحيط بجملة ( مياه على الرئة ) , فهى مجرد مضاعفات لأمراض ستتراجع وتختفى من حياتنا بفضل الله ورحمته أولا وبنشر الوعي الصحى ثم بالرعاية الصحية المتقدمة بعد ذلك.